فصل: الحديث الثَّلَاثُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع بعد الْعشْرين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْكَلَام ينْقض الصَّلَاة، وَلَا ينْقض الْوضُوء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث جَابر كَذَلِك، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ لأجل أبي شيبَة الْمَذْكُور فِي إِسْنَاده، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق فَإِنَّهُ ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. وَقد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ: فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ أَيْضا بِلَفْظ «الضحك» بدل «الْكَلَام». وَفِيه مَعَ ذَلِك يزِيد بن عبد الرَّحْمَن الدَّالاني وَقد علمت حَاله فِي الْأَحْدَاث.

.الحديث الثَّامن بعد الْعشْرين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
إِحْدَاهَا: من طَرِيق ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله وضع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه كَذَلِك، وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه بِلَفْظ «تجَاوز الله عَن أمتِي الْخَطَأ....» إِلَى آخِره. وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه كَذَلِك، وَالْبَيْهَقِيّ باللفظين، وَالطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بِلَفْظ «إِن الله تبَارك وَتَعَالَى تجَاوز لأمتي...» إِلَى آخِره.
قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: جود إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث بشر بن بكر، وَهُوَ من الثِّقَات.
قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ، فَلم يذكر فِي إِسْنَاده عبيد بن عُمَيْر- يَعْنِي رَاوِيه عَن ابْن عَبَّاس، يَعْنِي: وَبشر بن بكر رَوَاهُ، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن ابْن عَبَّاس. هَذَا كَلَامه. وَجَائِز أَن يكون عَطاء سَمعه أَولا من عبيد بن عُمَيْر، عَن ابْن عَبَّاس، ثمَّ لقى ابْن عَبَّاس فَسَمعهُ مِنْهُ فَحدث بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا: تَارَة عَن عبيد، عَن ابْن عَبَّاس، وَتارَة عَن ابْن عَبَّاس. وَكَذَلِكَ، الْأَوْزَاعِيّ يجوز أَن يكون سَمعه من عَطاء عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَحدث بِهِ كَذَلِك وَلما رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الرّبيع بن سُلَيْمَان، عَن بشر بن بكر بِهِ، بِلَفْظ: «إِن الله تجَاوز...» إِلَى آخِره.
قَالَ: تفرد بِهِ الرّبيع وَلم يروه عَن الْأَوْزَاعِيّ إِلَّا بشر.
قلت: قد رَوَاهُ الْوَلِيد بن مُسلم كَمَا مر، وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِن الله عَزَّ وَجَلَّ وضع عَن أمتِي...» إِلَى آخِره فَقَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر كَأَنَّهُ مَوْضُوع، وَلم يسمعهُ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء، إِنَّمَا سَمعه من رجل لم يسمه أتوهم أَنه عبد الله بن عَامر، أَو إِسْمَاعِيل بن مُسلم، قَالَ: وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث وَلَا يثبت إِسْنَاده.
وَفِي «علل الإِمَام أَحْمد»: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ مُحَمَّد بن مصفى الشَّامي، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا «إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ، وَعَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان». وَعَن الْوَلِيد، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مثله فَأنكرهُ جدًّا وَقَالَ: لَيْسَ يرْوَى فِيهِ إِلَّا عَن الْحسن، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الله تجَاوز عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ». وَفِي لفظ: «وضع الله عَن أمتِي».
رَوَاهُ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَقَالَ: قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله: تفرد بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن مَالك وَهُوَ غَرِيب صَحِيح، وَقد أسلفنا عَن الإِمَام أَحْمد أَنه أنكرهُ جدًّا.
وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس وَقد أسلفناه عَنهُ. وَحَدِيث الْوَلِيد عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مثله، وَحَدِيث الْوَلِيد أَيْضا عَن ابْن لَهِيعَة، عَن مُوسَى بن وردان، عَن عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا مثله، فَقَالَ: هَذِه أَحَادِيث مُنكرَة كَأَنَّهَا مَوْضُوعَة، وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ: أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا أَخْطَأت، أَو نسيت، أَو استكرهت عَلَيْهِ». فَقَالَ رَوَاهُ أَبُو عقيل يَحْيَى بن المتَوَكل، وَاخْتلف عَلَيْهِ: فَقيل: عَنهُ عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَقيل: عَنهُ عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، وَهُوَ بِعَبْد الله أشبه مِنْهُ بعبيد الله. قلت: وَرَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث سوَادَة بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا «أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام، وَيَقُول: إِنِّي تجاوزت عَن أمتك ثَلَاث خِصَال: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ». ثمَّ قَالَ الْخَطِيب: سوَادَة مَجْهُول، والْحَدِيث مُنكر عَن مَالك.
قلت: وَلما رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي الْإِقْرَار من حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُصَفَّى، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن مَالك بِهِ؛ بِلَفْظ «وضع عَن أمتِي الْخَطَأ» إِلَى آخِره. قَالَ: كَذَلِك رَوَاهُ مُحَمَّد بن سعيد المنبجي، عَن مُحَمَّد بن الْمُصَفَّى، وَالْمَحْفُوظ عَن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس. وَعَن الْوَلِيد، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن مُوسَى بن وردان، عَن عقبَة بن عَامر كِلَاهُمَا عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عقبَة بن عَامر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا سلف.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله تجَاوز لأمتي عَمَّا توسوس بِهِ صدورها، مَا لم تعْمل بِهِ أَو تَتَكَلَّم بِهِ، وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه كَذَلِك عَن هِشَام بن عمار، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن مسعر، عَن قَتَادَة، عَن زُرَارَة بن أَوْفَى عَنهُ، وهَذَا إِسْنَاد كل رِجَاله فِي الصَّحِيح، وَإِن تكلم أَبُو حَاتِم فِي هِشَام بن عمار وَقَالَ: إِنَّه صَدُوق وقد تغير فَكَانَ كلما لقن تلقن.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حدث بأرجح من أَرْبَعمِائَة حَدِيث لَا أصل لَهَا. فَهُوَ من رجال البُخَارِيّ وَترْجم البُخَارِيّ بَاب: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان فِي الطَّلَاق وَنَحْوه.
ثمَّ أورد حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَى صِحَّته «أَن الله تجَاوز لأمتي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تعْمل أَو تَتَكَلَّم بِهِ».
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن أبي ذَر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِن الله تجَاوز عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
رَوَاهُ ابْن مَاجَه؛ وَفِي إِسْنَاده: شهر بن حَوْشَب وَقد تَرَكُوهُ؛ أَي: طعنوا فِيهِ.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «إِن الله تجَاوز لأمتي عَن النسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَفِيه شهر أَيْضا.
الطَّرِيق السَّابِع: عَن يزِيد بن ربيعَة الرَّحبِي الدِّمَشْقِي، عَن أبي الْأَشْعَث، عَن ثَوْبَان مَرْفُوعا «إِن الله تجَاوز عَن أمتِي ثَلَاثَة: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا. وَيزِيد هَذَا أَحَادِيثه مَنَاكِير كَمَا قَالَ البُخَارِيّ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك.
الطَّرِيق الثَّامِن: عَن جَعْفَر بن جسر بن فرقد، حَدثنِي أبي، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة مَرْفُوعا: «رفع الله عَن هَذِه الْأمة ثَلَاثًا: الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ».
رَوَاهُ ابْن عدي. وجعفر وجسر ضعيفان. قَالَ ابْن عدي: الْبلَاء من جَعْفَر لَا من جسر. وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور مُرْسلا كَمَا عزاهُ إِلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه عَن خَالِد بن عبد الله، عَن هِشَام، عَن الْحسن، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِن الله عَفى عَنْكُم عَن ثَلَاث عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ».
وَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث تكَرر فِي كتب الْفُقَهَاء وَالْأُصُول؛ بِلَفْظ الرّفْع وَقد عَرفته من رِوَايَة ابْن عدي فاستفدها، فقد بحث عَنْهَا بُرْهَة من الزَّمن فَلم تُوجد، وَذكره النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة فِي كتاب الطَّلَاق، بِلَفْظ: «رفع» وَحكم بحسنه، وَقد علمت مَا فِيهِ، وَأَنه بِهَذَا اللَّفْظ ضَعِيف.
فَائِدَة: قَالَ الْخطابِيّ فِي كتاب تصاحيف الروَاة: الْعَامَّة تَقول: النسْيَان عَلَى وزن الغليان، وَإِنَّمَا هُوَ بِكَسْر النُّون سَاكِنة السِّين. قَالَ: وَالْخَطَأ مَهْمُوز غير مَمْدُود.

.الحديث التَّاسِع بعد الْعشْرين:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا نَاب أحدكُم شَيْء فِي صلَاته فليسبح؛ فَإِنَّمَا التَّسْبِيح للرِّجَال، والتصفيق للنِّسَاء».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف ليصلح بَينهم، فحانت الصَّلَاة، فجَاء المؤذِّن إِلَى أبي بكر فَقَالَ: أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فأقيم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَصَلى أَبُو بكر فجَاء رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس فِي الصَّلَاة فتخلص حَتَّى وقف فِي الصَّفّ فصفَّق النَّاس، وَكَانَ أَبُو بكر لَا يلفت فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا أَكثر النَّاس التصفيق الْتفت فَرَأَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن امْكُث مَكَانك، فَرفع أَبُو بكر يَدَيْهِ فَحَمدَ الله عَلَى مَا أمره بِهِ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك، ثمَّ اسْتَأْخَرَ أَبُو بكر حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفّ وَتقدم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلى بهم ثمَّ انْصَرف فَقَالَ: يَا أَبَا بكر مَا مَنعك أَن تثبت إِذْ أَمرتك؟ فَقَالَ أَبُو بكر: مَا كَانَ لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يصلِّي بَين يَدي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالِي أَرَاكُم أَكثرْتُم من التصفيق؛ من نابه شَيْء فِي صلَاته فليسبح فَإِنَّهُ إِذا سبح الْتفت إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «فَلْيقل: سُبْحَانَ الله؛ فَإِنَّهُ لَا يسمعهُ أحد حِين يَقُول: سُبْحَانَ الله إِلَّا الْتفت».
وَذكر فِي كتاب الْأَحْكَام أَن تِلْكَ الصَّلاة كَانَت صَلَاة الْعَصْر، وَأَنه عَلَيْهِ السَّلَام ذهب إِلَى بني عَمْرو بن عَوْف بعد مَا صلَّى الظّهْر.
وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فأَوْمَأ» بدل «فَأَشَارَ» وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا التَّسْبِيح للرِّجَال، والتصفيق للنِّسَاء» زَاد مُسلم «فِي الصَّلَاة».

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَت لي سَاعَة من السحر أَدخل عَلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا فَإِن كَانَ قَائِما يُصَلِّي سبح بِي فَكَانَ ذَلِك إِذْنه لي، وَإِن لم يكن يُصَلِّي أذن لي».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي كتاب الْأَدَب من سنَنه من حَدِيث عبد الله بن نجي، عَن عَلّي قَالَ: «كَانَ لي من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مدخلان: مدْخل بِاللَّيْلِ، ومدخل بِالنَّهَارِ؛ فَكنت إِذا أَتَيْته وَهُوَ يُصَلِّي يَتَنَحْنَح لي».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بكر بن عَيَّاش، نَا مُغيرَة، عَن الْحَارِث العكلي، عَن عبد الله بن نجي، عَن عَلّي: «كنت إِذا دخلت بِاللَّيْلِ يَتَنَحْنَح».
وَرَوَاهُ من حَدِيث جرير، عَن مُغيرَة، عَن الْحَارِث، عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو، عَن عبد الله بن نجي، عَن عَلّي: «كَانَ لي من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة آتيه فِيهَا إِذا أتيت اسْتَأْذَنت؛ فَإِن وجدته يُصَلِّي فسبح دخلت، وَإِن وجدته فَارغًا أذن لي».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث شُرَحْبِيل بن مدرك، عَن عبد الله بن نجي، عَن أَبِيه، عَن عَلّي قَالَ: «كَانَت لي منزلَة من رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تكن لأحد من الْخَلَائق، فَكنت آتيه كل سحر فَأَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله، فَإِن تنحنح انصرفت إِلَى أَهلِي، وَإِلَّا دخلت عَلَيْهِ».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَمَتنه: فَقيل: «سبح»، وَقيل: «تنحنح». قَالَ: ومداره عَلَى عبد الله بن نُجَيٍّ الْحَضْرَمِيّ؛ قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر.
قلت: وقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَأما النَّسَائِيّ فوثَّقه وَأخرج حَدِيثه هَذَا ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح المأثورة. نعم فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ الأولَى وَالثَّانيَِة انْقِطَاع توضحِّه رِوَايَته الثَّالِثَة الَّتِي فِيهَا ذكر وَالِد عبد الله بن نجي، قَالَ ابْن أبي حَاتِم: ذكر أبي عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ: قلت ليحيى بن معِين: عبد الله بن نجي سمع من عَلّي؟ قَالَ: لَا بَينه وَبَين عَلّي أَبوهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يُقَال:
إِن عبد الله بن نجي لم يسمع هَذَا من عَلّي، وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَن أَبِيه، عَن عَلّي وَلَيْسَ بِقَوي فِي الحَدِيث.
ثمَّ رُوِيَ من حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ، عَن عبد الله بن نجي، عَن عَلّي قَالَ: «كنت آتِي النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كل غَدَاة؛ فَإِذا تنحنح دخلت، وَإِذا سكت لم أَدخل».
ذكره من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن خَالِد، عَن سُفْيَان، عَن جَابر بِهِ، وَجَابِر قد عرفت حَاله فِي أَوَاخِر الْأَذَان.

.الحديث الحَادِي وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى الظّهْر خمْسا، فَلَمَّا تبيَّن الْحَال سجد للسَّهْو وَلم يعد الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلي الظّهْر خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بعد مَا سلم»، والسياق للْبُخَارِيّ.

.الحديث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ:

«أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حمل أُمَامَة بنت أبي الْعَاصِ فِي صلَاته».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته؛ كَمَا سلف فِي بَاب الِاجْتِهَاد.

.الحديث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الأسودين فِي الصَّلَاة: الْحَيَّة وَالْعَقْرَب».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح. رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَأحمد فِي مسنديهما، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَصَححهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان أَيْضا، وَالْحَاكِم فَقَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح وَلم يخرجَاهُ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا الحَدِيث غَرِيب من حَدِيث هِشَام الدستوَائي، عَن معمر بن رَاشد، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، تفرد بِهِ عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث عَنهُ، وَرَوَاهُ جمَاعَة عَن هِشَام، عَن يَحْيَى لم يذكرُوا فِيهِ معمرًا. وَاعْترض الْمُنْذِرِيّ فِي موافقاته عَلَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي دَعْوَاهُ تفرد عبد الصَّمد بِهِ، وَقَالَ: فِيهِ نظر، فقد تَابعه أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فَرَوَاهُ عَن هِشَام الدستوَائي، عَن معمر، عَن يَحْيَى رَوَاهُ النَّسَائِيّ، عَن مُحَمَّد بن رَافع، عَن أبي دَاوُد.
قلت: وَفِي أَفْرَاد مُسلم من حَدِيث زيد بن جُبَير قَالَ: «سَأَلَ رجل ابْن عمر مَا يقتل الرجلُ من الدَّوَابّ وَهُوَ محرم، فَقَالَ: حَدَّثتنِي إِحْدَى نسْوَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَأْمر بقتل الكَلْب الْعَقُور والفأرة وَالْعَقْرَب والحديا والغراب والحية قَالَ: وَفِي الصَّلَاة أَيْضا».
فَائِدَة: قَوْله: «الْحَيَّة وَالْعَقْرَب» يجوز نصبهما عَلَى الْبَدَل من الأسودين، ورفعهما عَلَى تَقْدِير: وهما «الْحَيَّة وَالْعَقْرَب».

.الحديث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ بأذن ابْن عَبَّاس وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فأداره من يسَاره إِلَى يَمِينه».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مطولا بِأَلْفَاظ مِنْهَا: «فقمتُ إِلَى جنبه فَوضع النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها» وَمِنْهَا «فَقُمْت إِلَى جنبه الْأَيْسَر، فأخذني بِيَدِهِ فجعلني من شقَّه الْأَيْمن». وَمِنْهَا: «فَقُمْت إِلَى جنبه فَقُمْت عَن يسَاره، فأخذني فأقامني عَن يَمِينه».

.الحديث الخَامِس وَالثَّلَاثُونَ:

«دخل أَبُو بكرَة الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرُّكُوع فَرَكَعَ خيفة أَن يفوتهُ الرُّكُوع، ثمَّ خطا خطْوَة وَدخل الصَّفّ فَلَمَّا فرغ قَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حِرْصًا وَلَا تعد».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي بكرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَنه انْتَهَى إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ رَاكِع، فَرَكَعَ قبل أَن يصل إِلَى الصَّفّ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: وزادك الله حرصًا وَلَا تعد».
وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ «أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع فَرَكَعَ دون الصَّفّ؛ فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصًا وَلَا تعد».
وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح بِلَفْظ: «إِن أَبَا بكرَة جَاءَ وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع فَرَكَعَ دون الصَّفّ، ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته قَالَ: أَيّكُم الَّذِي ركع دون الصَّفّ ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ؟ قَالَ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصًا وَلَا تعد».
وَهَذِه الرِّوَايَة نَحْو رِوَايَة المُصَنّف؛ فَإِن قَوْله: «ثمَّ مَشَى إِلَى الصَّفّ» يتَضَمَّن مَا ذكره من أَنه خطا خطْوَة فَإِنَّهَا أَقَله، وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بلفظين:
أَحدهمَا: عَن عَنْبَسَة الْأَعْوَر عَن الْحسن: «أَن أَبَا بكرَة دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع، فَرَكَعَ ثمَّ مَشَى حَتَّى لحق بالصف، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصًا وَلَا تعد». ثمَّ قَالَ: ذكر الْخَبَر المدحض قَول من زعم أَن هَذَا الْخَبَر تفرد بِهِ عَنْبَسَة عَن الْحسن، ثمَّ أخرجه من حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن زِيَاد الأعلم، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة «أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع، قَالَ: فركعت دون الصَّفّ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصًا وَلَا تعد».
قلت: ومدار حَدِيث أبي بكرَة هَذَا من طَرِيق البُخَارِيّ وَغَيره عَلَى الْحسن عَنهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسمع مِنْهُ، قلت: لَكِن لَهُ عَنهُ فِي صَحِيحه عدَّة أَحَادِيث مِنْهَا هَذَا، وقصة الْكُسُوف، وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ، لَكِن البُخَارِيّ لَا يَكْتَفِي بِإِمْكَان اللِّقَاء؛ فلابد أَن يكون ثَبت عِنْده سَمَاعه مِنْهُ، وَغَايَة مَا اعتل بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ أَن الْحسن رَوَى أَحَادِيث عَن الْأَحْنَف بن قيس، عَن أبي بكرَة، وَذَلِكَ لَا يمْنَع من سَمَاعه مِنْهُ مَا أخرجه البُخَارِيّ.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «وَلَا تعد» هُوَ- بِفَتْح التَّاء وَضم الْعين- وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ: لَا تعد إِلَى الْإِحْرَام خَارج الصَّفّ.
ثَانِيهَا: لَا تعد إِلَى التَّأَخُّر عَن الصَّلَاة إِلَى هَذَا الْوَقْت، وشكر لَهُ مَعَ ذَلِك حرصه. قَالَ ابنُ حبَان فِي صَحِيحه: أَرَادَ: لَا تعد فِي إبطاء الْمَجِيء إِلَى الصَّلَاة، لَا أَنه أَرَادَ بذلك أَن لَا تعود بعد تكبيرك فِي اللحوق بِالصَّلَاةِ.
ثَالِثهَا: لَا تعد إِلَى إتْيَان الصَّلَاة مسرعًا. وَيُؤَيِّدهُ: رِوَايَة ابْن السكن فِي صحاحه المأثورة عَن أبي بكرَة قَالَ: «أُقِيمَت الصَّلَاة فَانْطَلَقت أسعى حَتَّى دخلت فِي الصَّف، فَلَمَّا قَضَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة قَالَ: من السَّاعِي آنِفا؟ قَالَ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ: زادك الله حِرْصًا وَلَا تعد».
رَابِعهَا: لَا تعد إِلَى دخولك فِي الصَّفّ وَأَنت رَاكِع، فَإِنَّهَا كمشية الْبَهَائِم؛ قَالَه المهلَّب بن أبي صفرَة. قَالَ ابْن القطَّان فِي علله: وَهَذَا هُوَ المُرَاد فَإِن فِي مُصَنف حَمَّاد بن سَلمَة عَن الأعلم- هُوَ زِيَاد- عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة «أَنه دخل الْمَسْجِد وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي وَقد ركع فَرَكَعَ، ثمَّ دخل فِي الصَّفّ وَهُوَ رَاكِع فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّكُم دخل فِي الصَّفّ وَهُوَ رَاكِع؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ: زادك الله حِرْصًا وَلَا تعد». قَالَ ابْن الْقطَّان: فتبيَّن بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَن الَّذِي أنكر عَلَيْهِ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا هُوَ أَن دب رَاكِعا، وَقد كَانَ هَذَا متنازعًا فِيهِ إِلَى أَن تبين أَن هَذَا هُوَ المُرَاد.
قلت: لَكِن فِي الْأَوْسَط للطبراني من حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء سمع ابْن الزبير عَلَى الْمِنْبَر يَقُول: «إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد وَالنَّاس رُكُوع فليركع حَتَّى يدْخل، ثمَّ يدب رَاكِعا حَتَّى يدْخل فِي الصَّفّ، فَإِن ذَلِك السّنة». قَالَ عَطاء: وَقد رَأَيْته يصنع ذَلِك، ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن ابْن جريج إِلَّا ابْن وهب، تفرَّد بِهِ حَرْمَلَة وَلَا يرْوَى عَن ابْن الزبير إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد.

.الحديث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سَلًّمَ عَلَيْهِ نفر من الْأَنْصَار، وَكَانَ يرد عَلَيْهِم السَّلَام بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن عمر قَالَ: «خرج رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبَاء يُصَلِّي فِيهِ، قَالَ: فَجَاءَت الْأَنْصَار فسلَّموا عَلَيْهِ فَقلت لِبلَال: كَيفَ رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قَالَ: يَقُول هَكَذَا وَبسط كفَّّه، وَبسط جَعْفَر بن عون كَفه وَجعل بَطنهَا إِلَى أَسْفَل وظهرها إِلَى فَوق».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه فِي فَضَائِل سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن ابْن عمر قَالَ: «دخل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْجِد بني عَمْرو بن عَوْف وَهُوَ مَسْجِد قبَاء يُصَلِّي فِيهِ؛ فَدخل عَلَيْهِ رجل من الْأَنْصَار يسلمُونَ عَلَيْهِ قَالَ ابْن عمر: وَدخل مَعَهم صُهَيْب فَسَأَلته كَيفَ كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع إِذا سلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ».
قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، وَرَوَاهُ أَحْمد عَنهُ «قلت لِبلَال: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ».
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنهُ قَالَ: «قلت لِبلَال: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فِي مَسْجِد بني عَمْرو بن عَوْف؟ قَالَ: كَانَ يرد إِشَارَة». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَيفَ كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يرد عَلَيْهِم حِين كَانُوا يسلمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. ثمَّ رَوَى عَن ابْن عمر، عَن صُهَيْب قَالَ: «مررتُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فسلمتُ عَلَيْهِ فَرد عَلّي إِشَارَة وَقَالَ: لَا أعلم إِلَّا أَنه قَالَ: أَشَارَ بإصبعه». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن. قَالَ: وكلا الْحَدِيثين عِنْدِي صَحِيح؛ لِأَن قصَّة حَدِيث صُهَيْب غير قصَّة حَدِيث بِلَال، وَإِن كَانَ ابْن عمر رَوَى عَنْهُمَا، فَاحْتمل أَن يكون سمع مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَرَوَى الْأَخير أَيْضا أَحْمد فِي مُسْنده، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه، وَرَوَى الأول ابْن مَاجَه وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمَا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه أَيْضا عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَسْجِد قبَاء ليُصَلِّي فِيهِ، فَدخل مَعَه رجال يسلمُونَ عَلَيْهِ فَسَأَلت صهيبًا وَكَانَ مَعَه كَيفَ كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع إِذا سلم- يَعْنِي: عَلَيْهِ-؟ قَالَ: كَانَ يُشِير بِيَدِهِ».
تَنْبِيه: لما ذكر الرَّافِعِيّ هَذِه الْأَخْبَار قَالَ: دلّت هَذَا الْأَخْبَار وَنَحْوهَا عَلَى احْتِمَال الْفِعْل الْقَلِيل فِي الصَّلَاة، وَمرَاده بقوله: وَنَحْوهَا حَدِيث جَابر الثَّابِت فِي صَحِيح مُسلم: «بَعَثَنِي رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة، ثمَّ أَدْرَكته وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيّ». وَقد أسلفنا فِي الحَدِيث بعد الْأَرْبَعين من بَاب أَوْقَات الصَّلَاة إِشَارَته أَيْضا فِي حَدِيث أم سَلمَة، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة «لما صَلَّى بهم جَالِسا فِي مرض مَوته وَقَامُوا خَلفه، أَشَارَ إِلَيْهِم أَن اجلسوا».
وَفِي مُسلم من حَدِيث جَابر مثله، وَسَيَأْتِي فِي بَاب سُجُود السَّهْو- إِن شَاءَ الله تَعَالَى ذَلِك وَقدره- أَنه رَوَى «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام مسح الْعرق عَن وَجهه فِي الصَّلَاة، وَقتل عقربًا فِيهَا». لَكِن إسنادهما ضَعِيف.